الثلاثاء، 31 يناير 2012

الدغمائية الفكرية لدى "الحداثيين" في تونس

الحداثة أو التقدم هي مجموعة من العوامل المادية المتلازمة التي يسعى الفرد إلى خلقها أو اكتشفها بهدف إحداث مناخ عيش أفضل و أكثر رفاهية. و عادةً ما تكون الحاجة هي الدافع الأساسي في السعي وراء هذا الهدف. و لكن لسائل أن يسأل هل يمكن أن تكون الحداثة غير مادية؟ بمعنى هل لنا أن نتكلم عن حداثة فكرية أو قيمية؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب الإشارة أولاً أن الحداثة المادية و الحداثة الفكرية هما قيمتان ليسا بالضرورة متلازمتان، بحيث يمكن أن يكونا متزامنتان و متلاصقتان بنفس المجتمع، كما يمكن أن تحضر احدهما و تغيب الأخرى. الحداثة الفكرية هي مجموعة المبادئ و القيم المنبثقة عادةً من الدين أو الموروثة من العادات و التقاليد أو العرف التي يرى فيها المجتمع الوسيلة المثلى لتنظيم العلاقات بين مختلف الأفراد بغية تحقيق أفضل سبل التواصل بينهم بمختلف شرائحهم. كما يصعب على اساسها تقييم مستوى تقدم أو تأخر مجتمع ما عن غيره. و على عكس الحداثة المادية المتميزة بتطورها السريع و المستمر فالحداثة الفكرية عادةً ما تكون ثابتةً بطيئة التحول. لأن ما يميز مجتمع ما عن غيره هي مجموع القيم و المبادئ التي يتبناها و يرى فيها عادةً وجوده و خصوصيته لذلك يكون تشبثه بها أشد و أشرس من أي مكتسب آخر. و محاولة التغيير أو التجديد في هذا المجال في الحقيقة هو ضرب من المستحيل خصوصاً في مجتمع مجموع قيمه و مبادئه ذات مرجعية دينية كمجتمعنا في تونس و ربما يعرض نفسه للخطر من حاول ذلك. و في هذا المجال أيضاً يمكن للدولة أن تتدخل عندما تشعر أن المبادئ و القيم المجتمعية داخلها مهددة أو مستهدفة. فمثلاً فرنسا "العلمانية" تتشدد في السماح في بناء مساجد على شكل العمارة الإسلامية حمايةً للمظهر المعماري لمدنها، كما أنها تمنع المسلمات من إرتداء النقاب في الأماكن العامة تحت دعاوي أمنية و حقيقةً حفاظا على المظهر العام في شوارعها، هذا إضافةً إلى منعها مؤخراً صلاة المسلمين خارج المساجد لضيقها أيام الجمعة سعياً منها لإخفاء كل مظهر يمت للإسلام بصلة. فلا تستغرب عزيزي الحداثي حينما تخرج عشرات المظاهرات في بلدك المسلم تونس إحتجاجاً و تنديداً بالمس من الذات الإلهية من قبل ما يسمى بوسيلة إعلامية، أو حينما يعتصم طلبةً في جامعةٍ ما عندما يشعرون أن حرية اللباس الجميع له فيها حق بإستثنائهم. و لا تعجب كثيراً حين تفرز صناديق الإقتراع غيرك و تقصيك من الحياة السياسية و أعلم أن الشعب وضع كيان ألهوية و كل ما يمت إليها بصلة في اولوياته خصوصاً عندما وجدها مستهدفةً من قبلك. أن تكون حداثياً في بلد مسلم هذا شيءٌ جميل و مرغوب فيه فالإسلام جاءنا بفكر سوي معتدل و حثنا على الرقي القيمي و المعرفي في جميع الميادين و المجالات فبإمكانك أن تبحث و تجتهد و تستنبط كل ما يمكنه أن يعود بالمنفعة و الفائدة على أخلاق المجتمع و سلوكيات افراده طالم أن اجتهادك لم يخرج عن الأسس القيمية المجمع عليها. أما أن تستورد فكراً و تحاول بشتى الطرق تحت دعاوى حرية الرأي و التعبير فرضه عنوةً على مجتمعٍ بأكمله دون مراعاة الخصوصيات الثقافية و التاريخية التي تميزه عن غيره فهنا تكون قد مارست ما يسمى بالدغمائية الفكرية على مجتمع أكثر وعياً و مسؤليةً منك فلفضك في أول فرصة اتيحت له.

الأحد، 29 يناير 2012

الباجي قائد السبسي: الفاصل الذي اصطفت حوله الأصفار

عقب إنتهاء الفترة الإنتقالية الأولى بأخف خسائر و أضرار إقتصادية و أقل إضطرابات أمنية مكللة بتنظيم أول إنتخابات حرة و نزيهة كاد أن يخرج على اثرها الباجي قائد السبسي كرجل المرحلة الذي سلك بالبلاد أوعر الطرق و أوصلها بسلام إلى بر الأمان لولا بيانه الهزيل و المردود عليه الذي دعى فيه إلى تصحيح المسار السياسي و كأن هذا المسار في عهده كان مستقيماً سوياً. الباجي قائد السبسي المسؤول الأول في عهد بورقيبة عن قتل المجاهدين و المناضلين و عن عمليات التعذيب و التنكيل بالمعارضين في مخافر السجون وأقبية الداخلية إضافة إلى مسؤوليته عن تزوير الإنتخابات في الفترة البورقيبية فوت عن نفسه فرصة الافلات من المحاسبة و العقاب لو أنه آثر الصمت و إلتزم الحياد. في الحقيقة أنا لا ألوم قائد السبسي على مواقفه فهو عجوز مسن يعيش أرذل سنين العمر خانته النزعة البورقيبية التي جُبل و تربى عليها لعقود طويلة فأصبح يمارس ما هو أقرب إلى المراهقة السياسية من أبسط أبجديات السياسة ، بقدر ما ألوم ما يسمى بأحزاب التقدم و الحداثة الذين ما إن سمعوا بالدعوة "السبسية" حتى اطلقوا الزغاريد و الأهازيج و اصطفوا وراءه مهللين و مطبلين فرحاً و إبتهاجاً لعثورهم على القائد المغوار الذي سوف يعيد لهم العزة و الكرامة بعد خيبة إنتخابية ذاقوا فيها أقسى و أنكى ويلات الخسران و الهزيمة. مشكل الأحزاب المعارضة اليوم المنهزمة في الإنتخابات  ليس ايديولجياً بالأساس -و إن كان هذا الجانب في الحقيقة كان له كبير الأثر على نتائجهم في الإنتخابات- و لكن هو في جزءٍ كبير منه مبدئيا و قيميا بحيث طغت عليهم صفة المعارضة حتى أنستهم في مبادئ و أسس العمل الديمقراطي. شعارهم الأساسي عارض ثم عارض أولا و آخراً، تحالف مع كل من يعارض تجمعياً كان أو بورقيبياً أو شيوعياً أو يسارياً أو  علمانياً، حداثياً، معتدلاً، متطرفاً، دكتاتوراً...لا يهم طالم أنه يعارض... مصلحة تونس؟! إقتصاد البلد؟! أمنه؟! السلم و التوافق الإجتماعيين؟!  لا يهم هذا ليس من الأولويات، الهدف الآن هو محاصرة الحكومة، عزلها، تأجيج الشارع، افتعال المشاكل، النفخ في الأزمات، طرح و مناقشة مواضيع لم تكن يوماً من إهتمام التونسي و لم تمثل في أي وقت عائقاً أمام تواصل التونسيين فيما بينهم أو انسجامهم الفكري و الثقافي. احزاب المعارضة لم تعتبر من أسباب الهزيمة في الإنتخابات الفارطة حين ركزت مجمل حملتها الإنتخابية على مهاجمة الآخر دون العكوف على تقديم البديل بل ما تزال في ذات النهج. احزاب المعارضة اليوم تبدوا عاجزةً عن مجاراة النسق الحكومي أو عن تقديم إقتراحات و حلول للمشاكل التي تؤرق المواطن قبل الحكومة فخيرت المراهنة على فرسٍ عجوز أغلب ظني أنها ستقع بهم قبل إدراك خط الوصول. و للشارع الكلمة في الإنتخابات المقبلة.

الجمعة، 27 يناير 2012

و للخيانة فن...

عندما تتكرر الإعتصامات و تتضاعف و تنتشر هنا و هناك في مختلف أنحاء البلاد من أجل مطالب مشروعة و أخرى مزعومة، و عندما تتوالى الإحتجاجات العشوائية فتقطع الطرق و تقفل السكك الحديدية فيتوقف العمل في أكثر من مؤسسة و خلية إنتاج في البلاد، و عندما تسمعون عن إعتصام للسلفيين في جامعةٍ هنا و عن قيام إمارةٍ إسلاميةٍ في بلدةٍ هناك، وعندما يتوعد شبه نقابي علناً الحكومة ثم يهدد بالإنفصال، و عندما يعتدى على رئيس الجمهورية و يمنع من إلقاء كلمته، و عندما يضرب أعوان الأمن عن العمل إحتجاجاً على بعض التحويرات و الإصلاحات صلب الوزارة، و عندما يقذف وزير الداخلية في عرضه بتواطؤ من فلول البوليس السياسي و اليسار المتطرف، و عندما تطل علينا قناتنا البنفسجية صباحاً مساءً بمشاهد الفقر و البؤس و أزمات إقتصاديةً و إجتماعيةً هنا و هناك و غيرها من المظاهر المزرية و المتردية، و عندما تصبح هبات الشقيق و مساعداته تهديد لسيادة البلد و استقلاليته في حين أنها غير ذلك عندما تكون في شكل قروض مجحفة من عند ما يسمونه ب"الصديق"، و عندما يهرول عجوز في عقده التاسع مسرعاً إلى المحاكم  دفاعاً عن بؤرة فجور و فساد ثم يصدر بياناً يدعو فيه إلى "تصحيح المسار السياسي" فيصطف وراءه سياسيين و شبه معارضين، فاعلم حينها أخي القارئ -حفظك الله- أن ما يسمى بجيوب الردة من ازلام التجمع المنحل و اليسار المتطرف و أدعياء الحداثة و التقدم الحاقدين على الثورة و نتيجة الإنتخابات بصدد التحالف و التآمر على أمن البلاد و اقتصاده عقاباً و تشفياً في من أوصل غيرهم إلى سدة الحكم مستعينين في ذلك ببقايا الإعلام البنفسجي و الصحافة العميلة. قوى الردة أو الشد إلى الوراء كما يسمونها لن تدخر جهداً في سبيل تأجيج الوضع الداخلي و افتعال الأزمات و الإضطرابات من أجل الضغط على الحكومة و ارباكها و لو كلفهم ذلك إسقاط البلاد في متاهات المجهول. تونس بلد عربي مسلم  متجذر في الأصالة و الحداثة  منذ ما يزيد على ألف و أربع مئة سنة لن يقبل شعبه بخيانتكم له و تآمركم عليه و لن يزيده ذلك إلا إصراراً على خياراته و إلتفافاً حول قياداته وعزيمةً للتقدم و المضي إلى الأمام نحو الرقي و التقدم ملقياً بكم في قمامات و مزابل التاريخ.