الأربعاء، 22 فبراير 2012

الإسلام دين شعب و دولة







عندما يطرح موضوع إعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع في الدستور المزمع صياغته يسارع الرافضين لإدراج هذا الفصل من علمانيين و يساريين إلى الدفاع عن موقفهم بالإعتماد على إحدى الحجج التالية:
أولاً: أن مجرد التنصيص على دين الدولة و لغتها في ألفصل الأول من الدستور يكفي للتعبير عن هوية تونس و تحديد انتمائها و أن الشعب التونسي هو عربي مسلم متشبث بالقيم العربية و الإسلامية السمحة و لا يزايده على ذلك أحد.
ثانياً: أن إعتماد الشريعة كمصدر أساسي للتشريع في الدستور سوف يخلق نوع من الغموض و التشتت المرجعي سببه القراءات المختلفة للشريعة الإسلامية و تعدد المذاهب و المدارس الفقهية داخلها. ثم أن العمل مع بعض التشاريع الإسلامية لا يتوافق مع قيم حقوق الإنسان الكونية و مع الدولة المدنية و المواطنة.

هنا، تظهر محاولات خلط المفاهيم على المواطن بغية تفقير الدستور من كل مرجعٍ يمت إلى انتمائنا الحضاري بصلة.

الهوية كتعريف هي مجموع قيم معنوية ثابتة حاضراً و مستقرة على مدى القريب و المتوسط مستقبلاً يكتسبها الفرد منذ ولادته و باحتكاكه بمحيطه الخارجي في تلاقح لعدة معطيات تتقاسم نفس المكان و الزمان. و ليس من دور الدولة هنا تحديدها و انما يجب عليها اكتسبها لتكون منسجمةً مع واقعها. فلا يمكن على اساسها إذاً تحديد جنسية التونسي. فمثلاً جزء كبير من جاليتنا المقيمة بالخارج خصوصاً من الجيل الثاني و الثالث لا يتكلمون العربية و إن تكلموها فبجهد كبير و بتعثر و لا تكون فصحى. أيعتبر هؤلاء ليسوا تونسيين لأن معطى الهوية فيهم لم يكتمل؟ بلى، هم تونسيون لأن اباؤهم كذلك. أو هل علينا سحب الجنسية من اليهود التونسيين لإنهم ليسوا مسلمين؟
 إذاً  نجد هنا أن جزءاً من الشعب، تونسي رغم عدم إكتمال معطى ألهوية فيه. فنكون بالتالي قد اسندنا الجنسية التونسية على أساس إنتماءٍ وطني بحت و ليس على أسس دينية و ثقافية.
 فالفصل الأول هنا يحدد هوية الدولة و ليس الشعب.

 لكن إذا لم يكن الشعب نفسه منسجم على مستوى الهوية فلماذا على الدولة أن تكون العكس؟

لأن على الدولة أن تكرس الإنتماء الحضاري للشعب الذي تحتضنه بإختلاف عقائده و ثقافاته. و ذلك بهدف تحقيق التواصل الحضاري بين الأجيال و للحفاظ على إستمرارية الحضارة و صمودها. و تستمد الدولة هذا الإنتماء من ماضيها المتوسط و القريب و من الإنتماء الغالب لأكثرية الأفراد. فهنا يبرز مفهوم ألهوية الحضارية التي يتشارك فيها كل أفراد الشعب على إختلاف أديانهم و لغاتهم و التي من واجب الدولة حملها و حمايتها.

فتعبير "الإسلام دينها، و العربية لغتها" يؤكد على الهوية الحضارية للدولة و ليس على الهوية بمفهومها الضيق. و على اثر هذا يتوجب إدراج فصل في الدستور يحدد صراحةً و بوضوح المرجعية التشريعية التي تستمد منها الدولة وجودها و الإطار الذي تعبر من خلاله عن إرادة الشعب. و يحيلنا هذا إلى الحجة الثانية التي يعتمدها العلمانيون للحيلولة دون إعتماد الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع.

تمثل الشمولية من خصوصيات ديننا الإسلامي  الحنيف التي تميز بها عن سائر الأديان. فعلاوة على أنه دين  تربية و عبادات فالإسلام أولى عناية كبيرة لجانب المعاملات بين الأفراد حيث أنه نظمها فجعل لها قواعد و أطر.

فالإسلام دين حاكم و محكوم، دين دولة و شعب. والدولة في الإسلام هي مدنية بطبعها تسوسها القوانين و ليس رجال الدين أو الكهانوت، يؤخذ القرار فيها عن طريق الشورى لا مجال فيها لحكم الفرد مهما كانت مكانته. وعلى عكس ما يدعيه العلمانيون فالشريعة واحدة ليست متعددة و انما المدارس الفقهية هي المتعددة و لتفادي الشبهات و الإختلافات الفقهية بإمكاننا أن نضيف إلى ألفصل الذي ينص على أن الشريعة هي مصدر أساسي للتشريع أن المدرسة الزيتونية تمثل مرجعيتها الفقهية. و إذا ما تضارب قانون دولي أو إتفاقية مع تشريع إسلامي صريح لا خلاف فيه فإن هذا الأخير هو الذي يقدم. فمثلا ما ضبطه الإسلام من حقوق و حريات للذكر و الأنثى يقدم على جميع الإتفاقيات و المواثيق الدولية  لأن حفظ الدين من المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية و على الدولة أن تسهل على الأفراد ممارسة دينهم لا أن تضع العراقيل و العقبات.

الإسلام دين شعب و دولة، تمثل تونس أخصب أرضية لنمو هذه المعادلة نظراً للتجانس الكبير و النادر الذي يميز شعبها. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يعكس مستواك. كل التعاليق مرحب بها ما عدا التي تحتوي على ألفاظ بذيئة أو شتم أو إعتداء على الدين أو على الذات الإلهية.