الثلاثاء، 14 فبراير 2012

المعارضة التونسية في عملية إنتحار جماعي

مثلت نتائج الانتخابات التي افرزتها صناديق الإقتراع يوم 23 أكتوبر خيبة أمل كبيرة لدى معظم الأحزاب التي اتخذت اليوم من المعارضة موقعاً لها داخل المجلس التأسيسي. و لعل موجة الإرتباك التي اعترتها خلال الفترة المنقضية جعلت مواقفها تجاه الحكومة -حديثة النشأة- تكون في غاية التصلب و الممانعة في غياب أي مشروع بديل تقدمه للحكومة و الرأي العام على حد سواء، قادرٍ على إضفاء على الأقل شيئاً من المصداقية على مواقفها.  و قد مثل بيان الوزير الأسبق الباجي قائد السبسي و إلتفاف الذي حضي به من طرف احزاب المعارضة خير دليل على تشرذم هذه الأخيرة و فقدانها لبوصلة القيادة و إفتقار برامجها لأي رؤيةٍ أو مشروع مستقبلي كفيل بإخراجها من الوضع العسير و الحرج الذي آلت إليه أحوالها عقب الإنتخابات.
و في محاولة لتدارك أمرها يبدوا أن المعارضة التونسية قد سلكت بنفسها الطريق الخطأ الذي سينتهي بها في الحقيقة إلى المآل نفسه خلال الإنتخابات القادمة و ربما تكون الضربة القاضية التي ستقصيها نهائياً من الساحة السياسية مستقبلاً  إن لم تتخلى عن منهجها الحالي. على المعارضة أن تعلم أن العيب ليس في معارضة الحكومة أو في إتخاذ المعارضة منهج إصلاح و تعديل فنحن في أشد الحاجة إلى هذا الدور في نظام ديمقراطي ما يزال يلتمس بصعوبة خطواته الأولى، و لكن العيب و كل العيب و قمة الخطأ -اصدقائي في المعارضة- أن تعارضوا الشعب و تناصبوه الكراهية و العداء!!!

يمكن تلخيص حياد هذا المسار في النقاط الثلاث التالية:
 
أولاً: مساندتكم لمبادرة الباجي قائد السبسي و التفافكم حولها تمثل طعنة غدرٍ لإرادة الشعب و خيانة عضمى لطموحاته و آماله. لأن كافة الشعب التونسي بمختلف توجهاته بما فيها المساندة و المعارضة للحكومة يتقاسمون نفس الموقف الرافض و المعادي لأي شخصية بورقيبية تجمعية تسعى إلى المشاركة في المشهد السياسي في تونس فضلاً عن قيادته. و تحالفكم مع شخصية الباجي قائد السبسي سيضعكما معاً في نفس السلة الشيء الذي سيؤدي حتماً إلى تخلي الأنصار عنكم و التجائهم إلى احزاب أكثر رصانةً و تشبثاً بالمواقف.

ثانياً: إندماجكم و إنصهاركم في شكل كتل و تحالفات سوف يخلق نوعاً من عدم الإلتزام الفكري (الاديولوجي) و المبدئي لاحزابكم. لأن الإندماج و التوحد في شكل كتل يفرض عليكم التخلي نوعاً ما عن بعض المبادئ الحزبية و الإلتزام الاديولوجي لصالح غيركم بغية حصول الإتحاد و الوفاق، مما يخلق أقطاباً و تحالفات سياسية تفتقر إلى التوجهات الاديولوجية الواضحة و الصريحة التي غالباً ما يصوت من أجلها الناخب التونسي. و هنا أريد أن أخص بالذكر الحزب الوسطي الكبير الذي هو بصدد التشكل من خلال تحالف ثلاثة احزاب مختلفة ايديولجياً تصف نفسها بالوسطية. هذا التحالف الجديد عليه أن يعتبر من تجربة القطب الديمقراطي الحداثي الذي تكون قبيل الإنتخابات في شكل تحالف لأربعة احزاب يسارية بهدف خوض الإنتخابات معاً، فما تحصل إلا على خمسة مقاعد داخل المجلس الوطني التأسيسي مستفيداً من قانون أكبر البقايا، و أعتقد لو أن كل حزب خاض الإنتخابات على حدة لكن مجموع المقاعد المتحصل عليها بينهم (الأربعة) أكبر بكثير من خمسة. لأن حزب التجديد وحده له من النضال و الشعبية ما يؤهله إلى حصد  أكثر من خمسة مقاعد. و إذا أرادوا التحالف فليكن بعيد الإنتخابات داخل أروقة مجلس النواب. و هنا تبرز تجربة حزب التكتل الذي لا أعتقد أنه كان قادراً على حصد عشرين مقعداً في المجلس التأسيسي لو أنه أعلن عن تحالفه مع حزبي النهضة و المؤتمر قبيل خوض الإنتخابات.

ثالثاً: الإنحياز الإعلامي الكبير لكم و لإديولوجياتكم و معاداته للحكومة و برامجها بقصد كان أو بغير قصد. فهذا الإنحياز الإعلامي الفاضح و الكبير لكم و هجومه المتواصل على الحكومة و تهميشه المستمر لادائها و التقليل من انجازاتها يضعكم في صف الإعلام البنفسجي المعادي -كما هو واضح للجميع- لإرادة الشعب و لأهداف الثورة الشيء الذي يجعل الحكومة في موضع الضحية و المتآمر عليها فيزيد ذلك من تعاطف الناس معها و التفافهم حولها و مساندتهم لها مما يزيد في شعبيتها.

إذا ارادت المعارضة -و خصوصاً الشق اليساري منها- المشاركة في تأمين عملية الإنتقال الديمقراطي في هذه المرحلة الحساسة و الحرجة من تاريخ تونس و ربما حتى المشاركة في إتخاذ القرار عليها أن تخرج من بوطقتها الفكرية و تنزل من برجها العاجي لتلتحم بالجماهير و تعاين مشاكله و معاناته عن قرب لا عن بعد و بالعين المجردة لا بالمكبرات.
لأن المعارضة بتصرفاتها الحالية ستعيدنا حتماً -و في إطارٍ ديمقراطي- إلى نظام حكم الحزب الواحد أو في أفضل الحالات إلى نظام حكم التحالف الواحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يعكس مستواك. كل التعاليق مرحب بها ما عدا التي تحتوي على ألفاظ بذيئة أو شتم أو إعتداء على الدين أو على الذات الإلهية.