الأحد، 4 ديسمبر 2011

اليسار التونسي من الوصاية إلى التطرف و الإقصاء

لا يخفى على أحد أن طيلة حكم المخلوع كان التيار اليساري في تونس هو المسيطر و المتحكم في مختلف وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة هذا إضافةً إلى سيطرته على المشهد الثقافي من سينما و مسرح و أدب و فن... فكنت حين تشاهد التلفاز أو تقرأ الصحف لا تر غيرهم يتكلمون عن تونس بإسم الشعب و يقترحون تصورات لتونس بإسم الشعب و يمثلون تونس في الخارج بإسم الشعب فيخيل إليك أن  الشعب التونسي يساري بإمتياز أو في أسوء الحالات أغلبية مطلقة يسارية. في الحقيقة هذا النفوذ اليساري لم يكن وليد الصدفة أو نتيجة كفاءات يسارية متميزة بل كان في الواقع يندرج ضمن سياسة ثقافية و فكرية محكمة الإعداد و جاهزة التنفيذ تهدف إلى مسخ القيم الحضارية و الثقافية العربية الاسلامية للشعب التونسي عقب ما شهدته فترة الثمانينات من صعود بارز و قوي للتيار الإسلامي المحافظ و الإلتفاف الشعبي الكبير الذي حضي به. فأدرك النظام حينها بعد ما نكل بقيادات هذا التيار (الإسلامي) من سجن و تتبعات و تشريد أن لا مفر له للبقاء في السلطة و التخلص من خطر الإسلاميين سوى التحالف مع اليساريين و دعمهم من أجل إستئصال الفكر الإسلامي من البلد من خلال ضرب ألهوية الحضارية للشعب التونسي.

 فمنع الحجاب و ضيق على مرتدياته فمنعنا من التعليم و في بعض الأحيان حتى من التداوي في المستشفيات العمومية، و نعت في التلفزة و الصحف بأقذر النعوت، وجيء بشيوخ الزور ليعلموا الناس دينهم الجديد، و لوحق الشباب المتدين و رمي به السجون لأتفه الشبهات، و غيب الخطاب الديني عن المجتمع و الحياة اليومية فلا تكاد تجده إلا في المساجد أيام الجمعة بحلة بنفسجية. حتى أصبحت تونس مضرب الأمثال في الحرب على الإسلام. في المقابل فسح المجال للفكر اليساري ليتمكن من مختلف وسائل الإعلام من تلفزة و إذاعات وطنية و خاصة و صحف و مجلات فلا تقرأ إلا لهم و لا تسمع إلا عنهم. أما بالنسبة للمسرح و السنيما فحدث و لا حرج، فتضحياتهم من أجل الفن و الإبداع لا تخفى على أحد. كان اليسار المزكي الرسمي لسياسات النظام، فبرر القمع و الاضطهاد الذي تعرض له الإسلاميين، و دعم الحملات الأمنية في حق المحجبات و الشباب المتدين، و شوه صور المعارضين و هتك أعراضهم، و زوّر الأرقام و المعطيات، فأضفى ربيعاً وردياً على إقتصاد متعثر متهالك، و نشر الميوعة و الإنحلال و همش قضايا الأمة الأساسية فكأنه جعل من تونس بلد "لقيط" لا ماضي له.

و لكن كما تعلمون أن لكل بدايةٍ نهاية و لكل قوة ضعفاً و لكل حياة موتاً  إنتفض احرار هذا البلد ليضعوا حدا لسنوات الذل و الوصاية و ليحرروا بلدهم من حكم الجبروت و الطغيان فهرب الطاغية مساءً  تاركاً وراءه حفنة  ايتامٍ طالما هللوا له و لإنجازاته المزعومة. بما أن الشعب التونسي شعب مسالم متسامح فإنه لم يفكر و لو للحظة في الإنتقام أو القصاص منهم و ترك ذلك إلى حكم الصناديق لإعطائهم وزنهم الحقيقي في المجتمع من خلال إنتخابات يشهد بنزاهتها الوطني و الأجنبي.

إلى اليسار المتطرف و دعاة العلمانية كفاكم تكبراً و وصايةً على الشعب و التزموا المكانة التي اعطتكم ايها صناديق الإقتراع. لم تكونوا يوماً أغلبية، بل كنتم أقليةً متنفذة مدعومون من قبل النظام، شعبيتكم مقتصرة على بعض الأحياء الراقية في العاصمة و لا رائحة لكم في داخل البلاد بل الناس هناك لا يسمعون بكم أصلاً. الشعب اليوم إختار ممثليه فعليكم أن تحترموا قيم و مبادئ الديمقراطية. الشعب اليوم إختار الحضارة و  ألهوية و قال لا لليسار و العلمانية. تونس اليوم يقودها الأجدر بثقة الشعب و لن تنالوا هذه الثقة إلا إذا كنتم من الشعب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يعكس مستواك. كل التعاليق مرحب بها ما عدا التي تحتوي على ألفاظ بذيئة أو شتم أو إعتداء على الدين أو على الذات الإلهية.