الاثنين، 18 يوليو 2011

لماذا القصبة 3 ؟

قبل أن أمر إلى نقاش مطالب الإعتصام أريد أن أتوقف عند سبب واحد يجعلني اساند هذا الإعتصام و ادعمه قلباً و قالباً و دون أي تردد. ألا و هي الهجمة البوليسية الشرسة و المتوحشة على المسيرة المتجهة نحو ساحة القصبة للإعتصام و قمعها بكل همجية إضافةً إلى الإعتداء السافر على المصلين داخل المسجد و رميهم بالقنابل المسيلة للدموع داخله و من ثم اقتحامه و العبث بمحتوياته و تكسير أبوابه و حنافياته و تدنيس كتاب الله و إعتقال بعض الشباب على اثر ذلك و تحويلهم إلى الإيقاف في مراكز الأمن. كل هذا يجعلني استنتج أن ما قمنا به الشتاء الماضي كان مجرد تغيير في رأس النظام من أصل النظام و لا شيء قد تغير و أن ما يسمى بثورة كان مجرد إنقلاب في أعلى هرم السلطة أطفأ غضب المتظاهرين و أعادهم إلى بيوتهم. ما حصل يوم 15 جويلية يعيد لنا ذكريات ماض ليس ببعيد. حتى أكون أوضح، ما لم تتغير عقيدة جهاز الأمن و طريقته في التعامل مع المتظاهرين السلميين و مع المواطن بصفة عامة فإن الثورة مازلت قائمة و ما تزال في منتصف الطريق و علينا تنظيم ألف إعتصام و إعتصام لاستكمال أهداف ثورتنا التي دفعنا من أجلها الغالي و النفيس.

لنستعرض الآن مطالب إعتصام القصبة 3:

المطلب الأول: إعادة هيكلة الهيئة العليا "للإلتفاف على أهداف الثورة"، و تعود أهمية هذا المطلب إلى إختلال التوازن الموجود في هذه الهيئة مقارنةً بالتوازن الموجود على المستوى الشعبي فهذه الهيئة تسيطر عليها و بدعم من رئاستها التوجهات اليسارية و اليسارية المتطرفة (الحزب الديمقراطي التقدمي، حزب التجديد (الشيوعي سابقاً)، الحزب الإشتراكي اليساري، جمعية النساء الديمقراطيات إلخ...) في حين أن تمثيل هذه التوجهات على المستوى الشعبي يمثل أقلية و بالتالي فإن مختلف قرارات هذه الهيئة لن يكون لها صداً واسعاً داخل المجتمع و هنا لا أقصد أن الأغلبية الشعبية تمتلكها النهضة لأن توجهات شعبنا وسطية محافظة لا يسارية و لا يمينية. كما أريد الإشارة إلى أن هذا المطلب لا يتعارض مع المطلب السابع الداعي إلى التمسك بموعد الإنتخابات في 23 أكتوبر لأنه يدعوا إلى إجراء تعديل على تركيبة الهيئة و ليس اسقاطها.

المطلب الثاني: ضرورة تشريك الشباب، و هذا مطلب منطقي لأن الشباب قد تم استبعاده بصفة كلية من مختلف المؤسسات التقريرية التي انبثقت عن الثورة و التي نجد فيها مختلف  الأحزاب السياسية التي لم نراها إلا بعد 14 جانفي في حين أن الشباب الذي قام بالثورة بقي مهمشاً و لا أحد يتكلم بإسمه أو يمثله. كما تأتي أهمية هذه النقطة في الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه الشباب في بناء الدولة الحديثة من خلال العقلية الشبابية "الثورية" التي بإمكانها القطع مع الماضي لا سياسيا فقط بل أيضاً إجتماعياً و ثقافيا و إقتصادياً مما ينتج عنه بناء دولة حديثة بأتم معنى الكلمة. على أن تكون هذه المشاركة بطبيعة الحال مؤطرة من قبل الكبار لأن الشباب يفتقرون إلى الخبرة في هذا المجال.

المطلب الثالث: إقالة وزيري العدل و الداخلية، الأول لتهاونه في محاسبة قتلة الشهداء من ناحية و لتقاعسه في إسترجاع أموال الشعب المنهوبة و المهربة إلى الخارج إضافةً إلى المحاكمات المسرحية للمخلوع و اصهاره من ناحية أخرى، فنصف عام مضى عن إنقلاب 14 جانفي (حتى لا أقول الثورة) و لم يُسترد أيُ حقٍ عامٍ كان أو خاصٍ. أما بالنسبة للوزير الثاني فقد فشل في رسكلة تكوين أعوان الأمن و ربما لا يريد فعل ذلك فلا تزال تصرفات أعوان الأمن على حالتها منذ هروب المخلوع بل أشد عنفاً في بعض الأحيان. كما أن هذه الوزارة لم تقطع مع سياساتها الجبانة  في تشويه صورة المتظاهرين السلميين حيث لا تزال تقوم صحبة عصابات عميلة بالسلب و التخريب و السرقة لتبرير اعتدائها على المواطنين المسالمين و المقدسات الإسلامية. و هذا المطلب كما ترون لا يدعوا إلى إسقاط الحكومة و انما يدعوا إلى إجراء تعديل على مستوى الأعضاء لا غير لأن إسقاط الحكومة يؤدي إلى الفراغ السياسي الذي يمكن أن يجرنا إلى ما لا يحمد عقباه.

المطلب الرابع: إستقلال القضاء، فهذا مطلب أساسي و حيوي فكما يقول إبن خلدون "العدل أساس العمران" فبدون اسقلال القضاء لا يمكن لنا الحديث عن ثورة و لا عن بناء عُشر دولة حديثة. فبشهادة عدة قضاة مستقلين لا يزال القضاء مرتبطاً بأهواء السلطة التنفيذية و لم يرتقي بعد إلى مستوى القضاء العادل و المستقل الذي يطمئن إليه المواطن.

المطلب الخامس: محاسبة قتلة الشهداء و رموز الفساد، و هذا من أهم مقومات العدالة الإنتقالية التي من شأنها أن تحقق المصالحة الوطنية بين مختلف فئات و أفراد المجتمع. فمن المفروض أن يكون هذا أول ملف تقوم الحكومة الإنتقالية بتناوله بعد 14 جانفي و لكن الواقع غير ذلك، فقتلة الشهداء لا يزالون احراراً طلقاء و رموز الفساد لا يزالون في مناصبهم و في فسادهم يعبثون. كما يبدوا أن هذا المطلب أكثر مطلب يربك الحكومة فيجعلها تصر في كل مناسبة على عدم صحة ما يقوله الناس في هذا الموضوع.

المطلب السادس: تفعيل العفو التشريعي العام، و هنا يجب الإشارة إلى عبارة "تفعيل" لأنه صحيح أن قانون العفو التشريعي العام قد صدر منذ شهر جانفي و جميع سجناء الرأي تم إطلاق سراحهم اظافة إلى عودة المبعدين الى أرض الوطن و لكن هؤلاء كلهم لم يسترجعوا بعد حقوقهم التي سلبت منهم غصباً. فاغلبهم لم يعد إلى وظيفته و لم يسترد حقوقه المدنية التي سلبت منه قهراً و بهتانا. وهنالك عديد الأمثلة على ذلك.

المطلب السابع و الأخير: التمسك بموعد الإنتخابات في 23 أكتوبر، ليس هنالك دعوات رسمية صريحة تدع إلى تأجيل هذا الموعد و لكن أداء كل من الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة (و ما يتم تداوله داخلها من مسائل ليست من مشمولياتها) و الهيئة العليا للإنتخابات (و العراقيل المفتعلة أمام تسجيل الناخبين) إضافةً إلى أداء الحكومة المؤقتة التي لا  تلتزم بصفتها المؤقتة كل هذا يجعل الناس يشكون في صدق هؤلاء حول هذا الموعد.

إجمالاً اعتبر أن مختلف هذه المطالب معقولة و منطقية لأننا منذ 14 جانفي لم نرى تغيير ملموساً على أرض الواقع كما أنه بدون هذه المطالب لا نستطيع أن نأتمنهم على نزاهة الإنتخابات و خصوصاً هنا تبرز أهمية مطلب إستقلال القضاء. فلا أتصور أنه إذا عُرضت هذه المطالب على أي مواطن عادي و بسيط (بمفهوم أنه غير مسيّس) سيقول أنها مطالب ذات خلفيات حزبية أو أن هناك اياد خفية تقف وراءها. فلنحكّم العقل جميعاً و لنضع مصلحة تونس فوق الجميع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يعكس مستواك. كل التعاليق مرحب بها ما عدا التي تحتوي على ألفاظ بذيئة أو شتم أو إعتداء على الدين أو على الذات الإلهية.