الأربعاء، 9 فبراير 2011

المشهد السياسي في تونس بعد 14 جانفي

لا يخفى على أحد أن المشهد السياسي في تونس و منذ 14 جانفي قد عرف تحولاً  عميقاً من حيث المكونات و الأحجام، فهنالك احزاب حلت و احزاب بعثت و احزاب تحالفت و جمعيات تحررت و نقابات نشطت بحيث يمكن لنا تقسيم الحياة السياسية في تونس إلى ثلاث فترات:

1. فترة ما قبل 14 جانفي و المشهد كالتالي:
سياسة الحزب الواحد المسيطر على مختلف دواليب الدولة و المسير الوحيد للحياة السياسية و الإجتماعية و كل ما يتعلق بالحياة اليومية للمواطن من قريب أو من بعيد، هو المبادر و الرائد في جميع المجالات يرجع له الفضل وحده في تقدم تونس و رقيها بين الأمم، و في المقابل نجد احزاب تعيش على هامش التاريخ يكاد التونسي أن لا يعرف اسماؤها فما بالك عن افكارها و مبادئها، و الحقيقة هذه الأحزاب بدورها تنقسم إلى قسمين: احزاب الموالاة و المناشدة و التي تعيش على فتات الحزب الأوحد،  لا دور لها سوى إضفاء الشرعية على الإنتخابات البنفسجية، كما نجد أحزاب المعارضة الراديكالية و التي تجرأت و قالت للسيد لا فعانت الأمرين من تضيقات و ملاحقات هذا الأخير و من ضعف الإمكانيات و غياب الأنصار و المساندين.
حوصلة : حياة سياسية راكدة و رتيبة

2. الفترة التي تلي مباشرة 14 جانفي و المشهد كالآتي:
تفكيك و حل الحزب الأوحد و أفول نجمه بل أصبح متهماً و ملاحقاً و الجميع يترصده، و في المقابل تحررت الأحزاب المكبلة و عادت المهجرة و أسست أخرى و تكونت تحالفات و جبهات و نشطت الجمعيات و النقابات و أخذ كل حزب يجمع الأنصار و يعقد المؤتمرات و يبدي المواقف، فظهرت احزاب مؤيدة و احزاب معارضة و احزاب مقاطعة و احزاب متحالفة و أخرى انكبت ترتب البيت و تراجع الماضي أملاً في غدٍ ينسيها نكسة الأمس.
حوصلة: حياة سياسية نشيطة و واعدة.

3. فترة ما بعد 14 جانفي و هنا ندخل صلب الموضوع:
إذا اردنا أن نتعرف على المشهد السياسي في هذه الفترة فعلين أن نلقي نظرة تاريخية على الحياة السياسية في تونس؛ الحزب الحر الدستوري  هو أول حزب سياسي تونسي أسسه الشيخ عبد العزيز الثعالبي سنة 1920 قصد لمّ شمل المناضلين التونسيين و التفاوض مع المستعمر من أجل نيل الإستقلال، فبالرغم من التحولات الفكرية و الأديولوجية التي طرأت على مبادئ هذا الحزب و توجهاته فقد حافظ و على  مر تاريخه على شعبية واسعة جعلته الحزب القائد و المدبر الوحيد لشؤون البلاد بدون منافس و لا منازع. و منذ سنة 1988 أصبح يسمى بالتجمع الدستوري الديمقراطي.
عجزت الساحة  السياسية في تونس طيلة ربع قرن أو يزيد من الإستقلال عن إيجاد حركة سياسية معارضة تكسب ثقة الجمهور و دعمه إلى حين ظهور حركة التيار الإسلامي أوائل سبعينيات القرن الماضي و التي أعلن عن تأسسها رسميا سنة 1981 تحت إسم حركة النهضة. كسبت هذه الحركة قاعدة شعبية واسعة ساعدها في ذلك المسار التغريبي الذي كانت تشهده تونس خلال الفترة البورقيبية و طوق فئة كبيرة من المجتمع  في العودة للأصل و ألهوية سرعان ما وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع الحزب الحاكم الذي لم يسبق أن نفاسه أحد في الشعبية.
لايمكن لنا اليوم و في أي حال من الأحوال أن نقول اننا قد قضينا على حزب التجمع و أن لا مكان له بعد الآن في الحياة السياسية في تونس، فلهذا الحزب مناضلين و أنصار اوفياء لن يتخلو عنه بعد أن تم اختطافه منهم  سنة 88, كما أن هذا الحزب مثّل فترة تاريخية هامة في تاريخ تونس الحديث فليس بالسهولة بمكان اقصاؤه اليوم من حاضر تونس أو مسحه من الذاكرة الشعبية. فالتجمع اليوم، و قد لن يحافظ على هذا الإسم، هو اليوم بصدد لملمة الجراح و جمع الأوراق التي تناثرت يمنة و يسرة طيلة 23 سنة حتى  يخوض مجددا السباق و لكن بثقل مختلف و موازين جديدة هذه المرة.
انقضت ثلاث و عشرين سنة و إنقضى معها الإستبداد و الطغيان و جمعت حركة النهضة حقائبها و عادت إلى تراب الوطن لتخوض معركتها القديمة الجديدة و لكن هذه المرة بحذر أكبر و خطط مغايرة  حتى لا تقع في الماضي و اخطائه و  حتى تمضي بتأنٍ و ثبات إلى الهدف المنشود.
 حوصلة : حياة سياسية ساخنة و منافسة شديدة بين حزب التجمع الجديد و حركة النهضة و ظهور تحالفات بين الأحزاب الأخرى و هاتين الكتلتين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يعكس مستواك. كل التعاليق مرحب بها ما عدا التي تحتوي على ألفاظ بذيئة أو شتم أو إعتداء على الدين أو على الذات الإلهية.