الثلاثاء، 8 فبراير 2011

المسار الثوري في تونس

لقد إعتقد الكثيرين إن الثورة التونسية قد خمدت و تم احتواؤها من قبل الحكومة المؤقتة و أنصار الحزب الدستوري البائد الذين لا يزالون يسيطرون على العديد من المناصب في مؤسسات و مصالح الدولة و خاصةً السياسية منها، و لكن الأحداث و التطورات التي يشهدها الشارع التونسي اليوم يثبت عكس ذلك:
سرعان ما حاولت الحكومة المؤقتة السيطرة على الأوضاع و إعادة الأمور إلى نصابها من خلال التعديلات الوزارية المتعددة التي اجرتها على الحكومة لإمتصاص غضب الشارع و إعادة الهدوء إليه  لكي تتمكن من العمل في ضروف عادية و طبيعية. و لكن سرعان ما قابلها هذا الأخير بطريقة جديدة في المظاهرات و الاحتجاجات تختلف عن ما كان سائداً قبل الرابع عشر من جانفي من مظاهرات و مسيرات يومية في الشوارع إضافةً إلى المواجهات التي كانت تدور في الليل و النهار بين الشاب الثائر و قوات الأمن و التي اسفرت عن سقوط أكثر من مئتي شهيد. فالمظاهرات بالأمس كانت تهدف إلى إسقاط النظام و إسترجاع الحقوق و الحريات التي اغتصبت طيلة نصف قرن أو يزيد أما الآن و قد تحقق كل هذا فالمطالب أصبحت نوعية و محددة. الكل اليوم يطالب بحل التجمع الدستوري الديمقراطي اظافةً إلى استبعاد جميع رموزه من مؤسسات الدولة و مصالحها و أمام تعنت الحكومة في الإستجابة لمطالب الشعب غيّر هذا الأخير خطته في التعامل مع الوضع. فالاحتجاجات و الإعتصامات اصبحنا نراها اليوم من موظفي  المؤسسات الحكومية نفسها الذين يطالبون برحيل مديريهم الذين ينتمون إلى حزب التجمع أو الذين تورطوا في قضايا فساد، و كان أول من بدأ بهذه الإحتجاجات و الإعتصامات أعوان و موظفي وزارة الداخلية الذين اضربوا عن العمل إلى حين الإستجابة إلى مطالبهم و التي كان أهمها تكوين نقابة وطنية خاصة بهم و استبعاد جميع مديري الأمن و المسؤولين الذين تسببوا في التأثير سلباً على علاقتهم مع المواطن، فما كان من الوزارة إلا  أن استجابت لمطالبهم في الحين لأن مثل هذه الإضرابات تشل مؤسسات الدولة و بالتالي تفقدها سيادتها، و قد تكررت هذه الإعتصامات و الاحتجاجات في العديد من مؤسسات الدولة كان اخرها ما جد أمس في مقرات وزارة الشؤون الخارجية و الوكالة التونسية للانترنات. تعتبر هذه الطريقة في الإحتجاج أكثر فاعلية و نجاعة لتصفية و إستئصال رؤوس الفساد من مؤسسات و مصالح الدولة لأن العاملين فيها و خاصةً صغار الموظفين منهم الذين لا مسؤوليات كبيرة لهم هم أدرى الناس بمكامن الداء و الفساد. و من جهة أخرى كان الشارع أيضاً حريصاً على تتبع الماضي السياسي لجميع المسؤولين الذين تقوم الحكومة المؤقتة بتعيينهم و كان آخرهم الولاة الجدد الذين تم تعيينهم من قبل وزير الداخلية الذي يجهل أو تجاهل ماضيهم السياسي بل إعترف أنه لا يعرف أكثرهم فما كان من المواطنين إلا الإعتصام و التظاهر أمام مقرات الولاة الذين ثبت انتمائهم إلى حزب التجمع سابقاً حتى تم طرد اغلبهم.
يبدو أن المواطن التونسي و على عكس الحكومة مصراً و بشدة على القطع النهائي مع الماضي مهما كانت نظافة أيدي و براءة الأشخاص الذين يتم تعيينهم طالم أنهم انتموا في السابق إلى حزب قام الشعب التونسي بطي صفحته بدماء شهدائه الذين بذلوا أنفسهم من أجل العزة و الكرامة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تعليقك يعكس مستواك. كل التعاليق مرحب بها ما عدا التي تحتوي على ألفاظ بذيئة أو شتم أو إعتداء على الدين أو على الذات الإلهية.